Tuesday 16 September 2008

النـصـيـب الـمـفـقـود
لماذا أمر الله إبليس بالسجود لادم رغم علمه انه لن يفعل , ولماذا أمر الله آدم بالا يأكل من الشجرة رغم علمه انه سوف يأكل ! إذن فالأمر كله مدبر ومقدر ومكتوب واللي مكتوب على الجبين لازم تشوفه العين وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولن يأخذ أحد اكثر من نصيبه , فمن كان له نصيب في شئ فسوف يناله ومن ليس له نصيب في شئ فمهما فعل فلن يصل إليه ولن يناله فنحن مسيرون لا مخيرون.

هكذا أقنعوني بان هذا قانون الحياة الذي فرضه الله علينا ولا سبيل لتغييره , وبتلك العبارات السقيمة السخيفة الحمقاء التي لا تثمن ولا تغني من جوع أقنعوني بان الزواج قسمة ونصيب , وعليه فقد رفض والداي الشاب الذي أحببته وحلمت به كفارس يأخذني على حصانه الأبيض شأني شان أي فتاة كانت في مثل عمري , وكما قلت فقد اخبروني بان الزواج قسمة ونصيب كما أنى لازلت صغيرة والعمر مازال أمامي طويلا وان نصيبي سيأتيني في الوقت الذي قدره الله . ولكني لم أسال نفسي كيف عرف والداي أن هذا ليس نصيبي , وكيف سيعرفانه إذا أتى؟! فهل يسمح الله للآباء بالاطلاع على نصيب أولادهم! على كل حال فلقد كنت ساعتها في الثامنة عشر من عمري ولم يكن تفكيري ناضجا بالشكل الذي يجعلني أفكر في مثل تلك الأمور .
وبعد مرور أربع سنوات تخرجت من الجامعة وحدث معي مثلما يحدث مع معظم البنات حيث تقدم لخطبتي زميل من الجامعة , كان يحبني بل إن تلك الكلمة اقل من أن يوصف بها فلقد كان مجنونا بي , أما أنا فلم اكن مغرمة به لتلك الدرجة رغم انه كان يثير إعجابي في كثير من الأحيان . وكالعادة رفض والداي هذه الزيجة مرددين على ألسنتهم تلك العبارة الحمقاء " الشاب ده مش من نصيبك فهو حديث التخرج ولا يقدر على تكاليف الزواج وأنت لازلت في مقتبل العمر وبالتأكيد سوف يأتي نصيبك في الوقت الذي حدده الله . وهكذا ذهب كما ذهب الأول وكما ذهب من جاءو من بعده , فعلى مدار الأعوام الثلاثة المتتالية تقدم لخطبتي كثيرين إلا أن تلك الكلمة الحمقاء المسماه بالنصيب كانت تقف حائلا في كثير من الأوقات , ولا أنكر أنى أيضا قد بدا يتكون لدى منظور ومفهوم خاص عن الزواج والذي جعلني ارفض الكثير من الزيجات , فلقد كنت اعتقد أن الزواج ليس مجرد نظام روتيني يقوم به الناس لقضاء شهوة أو إنجاب الأولاد , فالزواج شراكه بين اثنين مستمرة مدى الحياة وما بعد الحياة لذلك فيجب أن يكون هنا اتفاق بين الشريكين , اعلم انه سيكون هناك اختلافات لكن يجب أن تكون مواطن الاتفاق اكثر واعمق من مواطن الاختلاف , كما يجب أن يكون هناك رابطا من نوع خاص بين هذين الشريكين وبغض النظر عن اسم ذلك الرابط فان هذا الرابط لابد من تواجده.
ومرت السنون دون أن اشعر و أصبحت في الثامنة والعشرين ولم اعلم كيف مرت تلك السنين ، ربما من هم مثلي يمر عليهم الوقت سريعا فالعمل والقراءة شيئان لا وجود للإحساس بالوقت معهما . أما العمل فلاني كنت كثيرة التنقل من عمل لاخر بسبب حالتي المزاجية المحبة للتغيير والتي تمقت الثبات والاستقرار وأيضا بسبب ما كان يحدث من مضايقات من أصحاب العمل شأني شان أي فتاة تخرج للعمل وشأنهم شأن معظم أصحاب العمل عندما يجدوا أي فتاة أمامهم حتى لو لم تكن جميلة .أما القراءة فلم تكن مجرد هواية بل كانت غريزة أساسية اكتسبتها مع الوقت , فكنت دائمة على قراءة القصص والروايات خاصة الرومانسية منها , فطالما حلمت أن أكون تلك البطلة التي يقع في غرامها الشخص الذي تحبه ثم يتحدى ويواجه ليصل اليها فهي بالنسبة له غاية يبذل كل ما في وسعه مستخدما كل الوسائل ليصل إلى غايته مهما كلفه الأمر .
وعموما , فانه نتيجة لتأخر زواجي بدا هذا الإحساس يتملكني حيث شعرت أنى قد أضعت نصيبي من يدي فكنت أسال نفسي هل من الممكن أن نصيبي كان مع أحد هؤلاء الذين تقدموا للزواج بي وأنا رفضته و أضعت نصيبي من يدي ! ولكني كنت استغفر الله وأقول " هو في حد يقدر يغير إرادة ربنا ؟"
هكذا أصبحت في الثامنة والعشرين من عمري وعلى هذا الحال قابلت الشخص الذي ازعم انه كان الحب الحقيقي الوحيد في حياتي القصيرة , كنت ساعتها اعمل في إحدى رياض الأطفال كموظفة في إدارة الشؤون المالية وكانت تلك الوظيفة هى اكثر الوظائف التي مكثت بها وقتا طويلا حيث عملت بها ثلاث سنوات , ورغم حالتي المزاجية وحب التغيير إلا أن هناك شيئان حالا بيني وبين ترك تلك الوظيفة . أما السبب الأول فكان هؤلاء الأطفال حيث بدأت عاطفة الأمومة تتملكني , فلكم كنت أتمنى أن يكون أحد هؤلاء الأطفال ابن بطني ولا أنكر أنى كنت اشعر كثيرا بالغيرة من أمهات هؤلاء الأطفال خاصة عندما أجد امرأة لازالت في الرابعة والعشرين من عمرها ولديها طفلان أو اكثر , ثم ارجع لاواسي نفسي بتلك العبارات السخيفة مثل النصيب والمقدر والمكتوب وانه لا أحد يعلم ما الذي قدره الله لي . كنت أسال نفسي هل حقا في الإمكان أن اصبح أما , وماذا عن السن , أليس هناك وقتا محددا للإنجاب وانه سيأتي وقتا لن أكون فيه قادرة على الإنجاب وهذا بالطبع سيحد من فرصتي في الزواج فلا يتقدم لي سوى من لديهم أبناء ويريدون الزواج من امرأة أخرى إما فراغة عين أو إن زوجاتهم قد رحمهم الله و أخذهم في العالم الآخر , ثم ارجع و أقول أن الله قادر على كل شئ فلقد رزق سيدنا ذكريا بولد وكانت امرأته عاقر , ولكني كنت ارجع مرة أخرى قائلة أنى لن أتزوج من سيدنا ذكريا ! لم اكن أتمالك نفسي عندما أرى أحد هؤلاء الأطفال فكنت احمله بين ذراعي واقبله ولطالما تمنيت أن اسمع أحد هؤلاء الأطفال وهو يقول لي " ماما"
أما السبب الثاني الذي جعلني امكث كل تلك الفترة في هذه الوظيفة فكان الحب , حيث وقعت دون أن اشعر في حب ذلك الشاب المتخرج حديثا والذي عمل في البداية تحت إشرافي . لم يكن نموذجا للفارس الذي حلمت به وأنا صغيرة , فلم يكن وسيما مثل هؤلاء الفرسان الذين نراهم في أفلام مثل " القلب الشجاع " بل على النقيض كان اسمر البشرة , طويل القامة , نحيف البنيان مما كان يجعله يبدو اكثر طولا , ولكنه كان خفيف الظل ومحل إعجاب من كل العاملين رجالا ونساء . على كل حال فلقد أحببته دون وجود أسباب واضحة , فبدأت علاقتنا كزملاء عمل ثم تحولت إلى صداقة ثم إلى حالة حب على الأقل من جانبي , أما هو فلم اكن اعلم حقيقة مشاعره وان شعرت في كثير من الأحيان انه لولا ذلك السور الذي بيني وبينه لاعترف لي بحبه , فكل تصرفاته وافعاله تدل على حبه لى إلا أن الزمن كان يقف كحائل أو سور يمنعه من العبور والاقتراب مني , فلقد كان اصغر مني بحوالي خمس سنوات , انه النصيب الأحمق والقدر اللعين الذي طالما وقف أمامي دائما ومنعني من تحقيق أحلامي فلقد كنت دائما أريد أن اصبح شخصا مفيدا أو هاما في تلك الحياة حتى لا يصبح وجودي كعدمه , وكما قال " ديكارت" أنا أفكر إذن أنا موجود , فأنا أقول طالما أنى موجودة فلابد أن افعل شيئا يدل على وجودي.
ظل هذا الحب حوالي عامين , كنت خلالها أعاني العذاب الأليم فالحب يصبح عذابا عندما تعرف يقينا انه من المستحيل أن ترتبط بمن تحب . حاولت كثيرا أن اكف عن التفكير فيه إلا أنى لم استطع فلم يكن يفارق مخيلتي , ولقد رفضت شخصا عرض على الزواج رغم انه كان مناسبا ومن الصعب أن يأتي أحد مثله لأي فتاة وترفضه إلا أنى لم استطع, حتى أنى ساعتها لم أفكر في موضوع الإنجاب والأمومة , فلم يكن يمر وقت دون أن أتذكره حتى في اكثر الأوقات قدسية فكنت أتذكره في صلاتي وأدعو له بالسعادة حتى لو كانت مع فتاة غيري.
وحقيقة , لم يكن عذابي فقط بسبب ذلك الفارق الزمني ولكنه كان عذاب داخلي , فكنت افترض أحيانا انه إذا جاء واخبرني بحبه وانه يريد الزواج مني فهل سأستطيع مواجهة الناس عندما يشاهدونا معا ويلاحظوا ذلك الفارق , لم اكن أستطيع أن أكون سببا في قطيعة بينه وبين أهله فلو كنت أما واخبرني ابني انه يريد الزواج بفتاة تكبره بخمس سنوات لرفضت وغضبت عليه فالام تريد دائما الأفضل لابنها من وجهة نظرها طبعا .
بعد حوالي عامين من العذاب كانت النهاية عندما حصل على عقد عمل بالخارج , وعندما علمت بالخبر شعرت كأني ورقة فارغة القى بي أحدهم من مكان مرتفع . وكان اللقاء الأخير عندما ذهبت لتوديعه في المطار كصديقة وزميلة عمل ولمحت في عينيه نظرة غريبة لم أدرك معناها وقتئذ ولكني أدركتها ألان . وقبل خروجي من المطار سمع الجميع صوت ذلك الانفجار ..... لقد كانت طائرته.
لم اكن لاحتمل يوما آخر في حياة ليس فيها نصيبي .... نعم , لقد أدركت أن نصيبي فيما اختاره أنا وليس فيما يتم اختياره لي أيا كان من يختار , فالنصيب مرهون بين أيدينا ونحن من نختار أقدارنا.... فإبليس رفض السجود بسبب كبرياءه وليس لان الله أراد ذلك وكذلك آدم أكل من الشجرة بسبب فضوله . إن الله يعلم فقط ما سنفعله ولكنه لا يتدخل في اختياراتنا ... انه يعلم ولكنه لا يتدخل في شؤوننا ... انه يعلم ولكنه لا يتدخل في شؤوننا .
كانت هذه نهاية رسالة تركتها فتاة في عقدها الثالث قبل أن تقفز في النيل أمام جمع من الناس الذين اكتفوا فقط بمشاهدتها وهى تغرق دون أن يمدوا لها يد المساعدة . فقط كان كل ما فعلوه انهم تساءلوا لماذا فعلت هذا وكانت الإجابة حاضرة في أذهانهم .. لقد وقعت تلك الفتاة في الخطأ مع أحدهم وعندما شعرت أن أمرها سيفتضح فعلت ما فعلت ... وراهنو أنفسهم على ذلك وقرروا متابعة الأمر من خلال الجرائد إلا انهم لم يعلموا الحقيقة أبدا و لن يعلموها .

No comments:

Post a Comment