Tuesday 4 August 2009

الـمُخسـيَرون 1
هكذا أراد الخالق ولا مناص من إرادته .... وليس للعبد أن يعترض على النظام حتى ولو شذ النظام ... وكم يشذ النظام حتى ليبدو الكون بلا نظام ..... فكم من مجذوب ومشوه ومجنون ..... والكل يحيا ... ولابد أن يحيا الكل .... ويضمهم ذلك الموكب .... الرهيب .... البطيء ..... السائر بهم نحو النهاية ..... حيث لا نهاية .

عبارة قرأتها فى قصة قصيرة لـ د\ يوسف ادريس بعنوان " الشيخ شيخة" وتوقفت عندها كثيرا .

هل ما نعيشه ونحياه هو ما أراده الخالق لنا وليس لنا نحن البشر أي إرادة ولو حتى بنسبة صغيرة ؟؟!
هل هذه الحياة عبثية ام هكذا تبدوا لنا ؟
هل نحن مخيرون أم مسيرون أم ماذا ؟!!

لا تنتظر ايها القارئ العزيز " رجلا كنت اوامرأة " ان اوضح رأى شخصى حيث انى حتى كتابة هذا البوست لم يستقر بي الحال على رأى في هذه المسألة رغم علمى ان هناك كثيرين حسموا هذه المسألة بينهم وبين انفسهم " مش عارف ازاى " ولكنهم لم ولن يتفقو فيما بينهم على راى قاطع , وستبقى هذه المسألة محل خلاف بين الناس حتى يرث الله الارض ومن عليها .

في البداية كنت مؤمن ان الإنسان مخير تماما في جميع أفعاله وانه لا توجد ارادة سوى ارادته هو وان الله سبحانه وتعالى لا يتدخل في شؤوننا مطلقا .... كل ما هنالك أن الله بعلمه الازلى يعلم ما الذي سنختاره وما سنقوم به ولكنه لا يتدخل في هذا الاختيار .... زى ماتقول كده كأنه فيلم واحد اتفرج عليه في العرض الخاص ولما بدأ يتعرض للجمهور هو الوحيد اللي كان عالم بالاحداث وعارف كل اللي هايحصل .... البطل اتجوز مين ومين هايقتل مين وعلشان ايه .... الخ

اعترف أن هذه النظرة كانت قاصرة الى حد ما فلم أكن ساعتها بدأت في الانخراط في معمعة الحياة التى بالطبع كان لها دور كبير في تغيير اتجاهاتى وتوضيح " او حتى تشويش" رؤيتى ... المهم انها غيرتنى والسلام .

ليس هذا التغيير جذريا وكليا بمعنى انى تحولت الى النقيض ولكن كان تغيير جزئيا فلازلت مؤمنا بل ومصرا على أن للانسان ارادة حرة كما ان لديه القدرة على الاختيار والفعل دون تدخل إلهي .ولكن ما حدث هو انى تنبهت الى أمر كنت غافلا عنه وهو أن الله سبحانه وتعالى ليس بمتفرج بل هو الخالق ...... زى ماتقول كده " مؤلف الرواية اومخرج الفيلم إن جاز التعبير " لذلك فمن الطبيعى أن يتدخل في بعض التفاصيل . هذه التفاصيل في اعتقادي ليس لها دخل بإرادة الانسان وقدرته على الاختيار ولكنها تحدد بدايته ونهايته وسأعرض لهذه التفاصيل في البوست القادم أما هذا البوست فسأعرص أراء بعض من قابلتهم والتى بطبيعة الحال كان لها بعض التأثير في تكوين رأيي الحالى " والذي قد يتغير في أى وقت حيث أن هذا الموضوع يعتمد الى حد كبير على التجارب التى نخوضها في هذه الحياة ومدى تأثرنا بها كما أن البحث عن الحقيقة لا يتوقف ابدا حتى ولو كان من الصعب ادراكها فالحقيقة لن تتجلى قبل ان تكتمل الرواية أو نرى كلمة النهاية في آ خر الفيلم "


تحدثت مع الكثيرين عن هذا الموضوع وسمعت أراء كثيرة ومختلفة .... جميعها تستحق الاحترام والنظر فيها ... فهى نتاج فكر وتجارب حياتية مر بها صاحبها .... وبما أن عقولنا ليست متشابهه كما أننا لم نمر بنفس التجارب , لذلك فمن الطبيعى أن تختلف رؤانا ووجهات نظرنا .

ـ مخيرون ولكن

أخبرنى أحدهم اننا مخيرون فيما اختاره الله لنا ... لم أفهم تماما ما الذي يقصده ولهذا أعطانى مثالا على كلامه قائلا " لو أنت عايز تكتب جواب أو أى حاجة مثلا ومحتاج قلم وذهبت لشراء قلم فلم تجد سوى الاقلام " الزرقاء والسوداء " فسوف تختار أحدهما لذلك فانت مخير أن تشترى أحدهما ولكن في نفس الوقت يوجد اقلام أخرى مثل الاحمر والاخضر ... الخ ولكن المتاح لك هو الازرق والاسود.

شخص آخر قال لى نفس المعنى ولكن بمثال آخر وهو السفينة
فلو كنت على متن سفينة فانت حر تفعل ما تشاء طالما انك لم تتجاوز حدودها .... فنحن مخيرون ولكن ضمن الحدود التى وضعها الله لنا .
وخلاصة هذا الرأى كما أراه ان الموضوع زى ما يكون سؤال " اختر ما بين القوسين" .... أمامك 3 أو4 اختيارات مش أكتر وحضرتك هاتختار من الاختيارات دى مع ملاحظة انك مش اللى كاتب الاختيارات ...... دى مفروضة على حضرتك .....

لا اعلم لماذا لم يطمئن قلبي لهذا الرأى ولكنى لا انكر ان به شئ من الصحة .... فنحن لا نختار من المطلق .... فعندما أختار مثلا زوجة فان اختياراتي لن تتجاوز معارفي فلن أختار مثلا زوجة من باريس لا أعلم عنها شيئا ولا تعلم هي شيئا عنى

ـ مسيرون آخر حاجة

على الجانب الاخر وجدت أشخاصا مؤمنون بأننا مسيرون تماما وان كل شئ مكتوب منذ الازل وانه لا سبيل الى فعل شئ تجاه هذا المكتوب فما أراده الله سيكون .
بمعنى أدق ..... سؤال " اختر ما بين القوسين " تم حله وكل اللى مفروض تعمله حضرتك في الحياة " الاختبار" انك تأكد على الحل وتختار اللي هو اختاره !

ليس عندى اى اعتراض على موضوع ان كل شئ مكتوب ولكن كان سؤالى دائما لهذه الفئة : ما ادراني انا بما كتبه الله على
فمثلا لو أردت الزواج , فأنا مؤمن تماما أن الله يعلم اختيارى وما سيحدث تباعا ولكنه لم يجبرنى على أن أختار .... فإرادتي ومشيئتى أنا هى سيدة الموقف .
أعتقد أن لو كان هذا الكلام صحيحا فمعنى هذا انى لن أحاسب على أفعالى حيث انه ليس من العدل أن أحاسب على نتيجة اختبار تم وضعه وتمت إجابته و لا من سبيل لتغيير هذه الاجابات , فلماذا أحاسب إذن على شئ لم أفعله بكامل ارادتي " أو حتى نصفها" وبما أنى كمسلم مؤمن بالحساب وبالاخرة والجنة والنار ... إذن فمثل هذا الكلام ليس مقبولا على الاطلاق .

والخلاصة هى انى رافض تماما لمبدأ التسيير المطلق وكأننا دمى تحركها خيوط مربوطة بإرادة الخالق يحركها كيف يشاء " يجب التنويه أنى لا أحجر على رأى أحد فلو كنت حضرتك ممن يعتقدون انهم كالعرائس المستخدمة في أوبريت الليلة الكبيرة بتاع عمنا صلاح جاهين و سيد مكاوي و ناجى شاكر فحضرتك حر بس أنا مش معاكو وأرفض أكون كده حتى لو كنت كده "

ـ أما الشريحة الأكبر والتي تمثل النسبة الاكبر ممن قابلتهم يؤمنون بأن هناك أمور نحن مخيرون فيها وأمور نحن مسيرون فيها لذلك أطلقت عليها اسم المخسيرون .
وهذه الرؤية هى الاقرب الى عقلى الان رغم وجود تحفظات عليها فالمخسيرون عادة لا يتفقون فيما بينهم على ما نحن مخيرون فيه وما نحن مسيرون فيه ..... وهذا يؤدى فى كثير من الاحيان الى التواكل والخنوع والخضوع والتهرب من المسؤلية شأنهم في ذلك شأن الكثيرين ممن يؤمنون بالتسيير...... فلو تعرض أحدهم للفشل فسوف يعزى هذا الى النصيب والقدر رغم أنه غالبا ما يكون هو المسؤل عن فشله

لذلك فكان من الضرورى أن أقف مع نفسي قليلا لاتبين حقيقة الامر ..... وأحدد بيني وبين نفسي ما هى تلك التفاصيل التى تدخل فيها الله سبحانه وتعالى في حياتنا والتى بالطبع ستقودني لمعرفة ما نحن مخيرون فيه وما نحن مسيرون فيه .

يتبع ........ to be continue

2 comments:

  1. عزيزى السماء لمجنونة / تحياتى لك
    اولا احييك على اختيارك لهذا الموضوع الشائك والذى طالما عولج فى ادبيات المناهج الاسلامية قديما وحديثا
    فبدأ للمعتزلة الى الجبرية مرورا بالجهمية وبنظرات المتصوفين على طول ادبيات الفكرالاسلامى وصولا الى محمد عبده والافغانى حتى الشعرواى الذى يقول ان التخيير المتاح للانسان هو فى بعض الامور المحدودة والتى تتجنب الجنس والنوع والديانة الى اخره

    ولكن صديقى ان كنت تريد معالجة هذا الطرح من منظور دينى بحت وهو منظور له وجاهته بالتأكيد لحسم هذه القضية التى من شأنها اما ان تعلى قيمة الانسان عل هذا الكوكب من حيث انه هو المسيطر الاول والاخير على اختياراته ومن ثم هو الذى سيدفع ما جناه من اختياراته اما جنة او نار
    واما ان تختزل الوجودالانسانى كله وتعبر عنه بشكل ربوتات تم برمجتها مسبقا من قبل الذات العلية ومن ثم تنتفى الحكمة من العقاب الاخروى جنة او نار

    لى هنا تساؤلات احب ان اوجهها لك مادامت نظرة المخسيرون هى الاقرب لمنطقك العقلى الان

    اذا كانت القدرة اللالهية مطلقة والعلم الالهى مطلق والحكمة الالهية كذلك مطلقة , اى ان الله يعلم منذ الازل ان فلانا سيولدفقيرا وانه سيكون عاصيا وقد يشرك بالله او يقتل او يسرق او او او الى نهاية الاحتمالات التى من الممكن ان نسردها سويا ، اقول ان كان الله احاط بكل هذا بعلمه المطلق الا ينتفى هذا مع الحكمة اللالهية المطلقة ( وما خلقت الانس والجن الا ليعبدون ) ؟
    انا انقل التناقض بين العلم المطلق والحكمة المطلقة وليس الجبر والتخيير
    ما معنى ان يعلم الله ان فلانا سيولد كافرا من اب وام كافرين ويموت على ذلك دون ان يعتنق الدين الحنيف وهناك ممن لم يسمع عن هذا الدين اصلا ثم يحاسبه الله ويحكم عليه بالخلود فى نار جهنم وبئس المصير؟
    ثم هناك المنظور السيكولوجى وله وجاهته ايضا بعد اكتشاف اللاوعى على يد فرويد
    وهى النظرة التى تقتل حرية الارادة الانسانية فى الصميم فالانسان عند فرويد ما هو الا نتائج م تطويعها وتدويرها فى لا وعى الانسان لتحدد اختياراته من زواج واعتقادات وميول الخ
    اسف جدا للاطالة وفى انتظار التدوينة
    القادمة
    وحيد جهنم

    ReplyDelete
  2. الصديق العزيز \ وحيد جهنم
    بداية لابد لي من الاعتذار في التأخر على الرد على تعليقك الذي شرفتني به ولكنك بالطبع تعلم ان الفترة السابقة مليئة بالاحداث الهامة " رمضان والعيد والكحك والبسكويت " كل سنة وانت طيب .

    بالنسبة لسؤالك عن التناقض بين العلم المطلق والحكمة المطلقة فيما يتعلق بقوله تعالى " وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون " لان هناك بالطبع من لا يعبد الله ولا يؤمن بوجوده اساسا ومن المفترض ان الله كان يعلم هذا مسبقا
    فأعتقد انه لا تناقض حيث انك فسرت العبادة في الاية بمعنى ضيق وهو اقامة الشعائر الدينية من صوم وصلاة وغيرها من الشعائر المعروفة ولكن في حقيقة الامر ان مفهوم العبادة ومدلولها اوسع واشمل من ذلك
    يقول الرائع سيد قطب في تفسيره لهذه الاية ان مدلول العبادة هنا اشمل من مجرد إقامة الشعائر فالجن والانس لا يقضون حياتهم في إقامة الشعائر والله لا يكلفهم هذا . وهو يكلفهم الوانا اخرى من من النشاط تستغرق معظم حياتهم . وقد لا نعرف نحن الوان النشاط التى يكلفها الجن ولكننا نعرف حدود النشاط المطلوب من الانسان في قوله تعالى " وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الارض خليفة " فالخلافة في الارض هى عمل هذا الكائن الانساني وهى تقتضى الوانا من النشاط الحيوى في عمارة الارض والتعرف الى قواها وطاقاتها وتحقق ارادة الله في استخدامها وترقية الحياة فيها
    ومن ثم يتجلى ان معنى العبادة التى هى غاية الوجود الانساني او التى هى وظيفة الانسان الاولى اوسع واشمل من مجرد شعائر .

    اعتقد ان بهذا المفهوم للعبادة لا يكون هناك تناقضا فالانسان الان بما وصل اليه من علم وتقدم واعمار للارض حقق معنى العبودية الذي اراده الله حتى ولو كان غير مؤمن به .
    أما عن موضوع الجنة والنار فانا لا ارى ضابطا او اساسا يمكن الوقوف عليه فى هذه النقطة سوى حسن الظن بالله فدخول الجنة او النار بيد الله فلن يدخل أحد الجنة بعمله بل برحمة الله .
    يعنى لو واحد مابيصليش او ارتكب ذنب عظيم كالقتل مثلا فما الحكم الاخروى " يوم الحساب " ؟
    يقول تعالى " ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها "
    لاحظ هنا ان الكلام عن الجزاء ولكن ليس بالضرورة ان يدخلها وليس واجبا على الله ادخاله فالله يفعل ما يشاء ويجوز له اثابة العاصي وتعذيب المطيع لذلك فموضوع الجنة والنار لا يدخل في حساباتي ولكنى في نفس الوقت مؤمن بأن رحمة الله وسعت كل شئ

    اما قولك " ما معنى ان يعلم الله ان فلانا سيولد كافرا من اب وام كافرين ويموت على ذلك دون ان يعتنق الدين الحنيف وهناك ممن لم يسمع عن هذا الدين اصلا ثم يحاسبه الله ويحكم عليه بالخلود فى نار جهنم وبئس المصير؟ " فلم أجد له أصلا فالمعلوم لدى من قراءاتي ودراستي ان من لم تبلغه الدعوة فهو في حكم" أهل الفترة" وهو مصطلح يقصد به الاقوام التى لم يبعث فيها رسول لهدايتهم
    وفي التاريخ الاسلامي الذي اعتقد انك قارئ جيد فيه ما يشهد على ذلك فالرسول بعد ان استقر به الحال في المدينة بدأ بإرسال الوفود الى الدول والبلاد المجاورة لتبليغ الدعوة الاسلامية وعرض الاسلام عليهم فمنهم من امن ومنهم من أبى وهنا يكون الحساب والعقاب اما من لم تصله الرساله فلا عذاب ولا خلود في نار جهنم وبئس المصير كما تعتقد , قال تعالى " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا "

    أرجو ان اكون قد وفقت في توصيل وجهة نظرى في المواضيع التى طرحتها للمناقشة واحب ان اوضح انها مجرد وجهة نظر خاصة لا الزم بها احد فكل شخص لديه عقل ويستطيع ان يفكر وان يصل الى نتائج .... أقول هذا الكلام لان هذا الموضوع ذكرنى بصديق لى اخبرنى انا احد المدرسين في المرحلة الاعدادية اخبرهم في الفصل انه يؤمن وبقناعة تامة ان ربنا هايعمل مفاجأة يوم القيامة ويدخلنا كلنا الجنة !!!!

    ReplyDelete